ما زلت أذكر تمامًا الصدمة التقنية التي حققها برنامج جوجل إيرث Google Earth الذي أُطلق لأول مرّة قبل 10 أعوام وتحديدًا في عام 2005، هذا البرنامج الذي يسمح باستعراض الكرة الأرضية وتحديد الأماكن لرؤية صور فضائية لها، وتطوّر ليتيح إمكانية مُشاهدة صور حيّة في بعض المُدن، فضلًا عن إمكانية مُشاهدة صور حقيقة مُحدّثة باستمرار لأي مكان حول العالم.
ويجب التنويه أن خرائط جوجل Google Maps تختلف عن جوجل إيرث، فالبرنامج الأول وظيفته الأساسية مُساعدة المُستخدم على الوصول من مكان للآخر بعيدًا عن جميع الميّزات الإضافية التي توفرت فيما بعد. أما جوجل إيرث فهو مُخصص لاستكشاف الأرض من منظور الأقمار الصناعية والصور التي تقوم بالتقاطها، لكن بالأساس برنامجي جوجل يعتمدون على تقنيات مايكروسوفت في هذا المجال !
لم تُطور مايكروسوفت التقنية المُستخدمة في مُعظم برامج الخرائط في يومنا الحالي فقط، بل كانت المسؤولة عن إطلاق أول برنامج على غرار جوجل إيرث يسمح باستكشاف الكرة الأرضية ومُشاهدة الأماكن عبر صور الأقمار الصناعية، وهذا الكلام يعود لعام 1997، أي قبل سبع سنوات من إطلاق جوجل لبرنامجها الثوري.
بدأت حكاية مايكروسوفت مع برنامج أرشفة صور الأقمار الصناعية عام 1997 عندما قررت الشركة بناء أكبر قاعدة بيانات لتستعرض بذلك إمكانيات الإصدار الجديد من نظام SQL الخاص بها لإدارة قواعد البيانات. فكّر مُهندسو الشركة بأكثر من مُنتج، واستقروا بالفعل على بناء نظام يقوم بتخزين جميع التعاملات المالية التي تتم في سوق الأوراق المالية داخل الولايات المُتحدة الأمريكية، بالإضافة لسعر الصرف في كل لحظة.
لكن وعلى الرغم من غزارة كمية المعلومات التي ستشغل مساحة تخزين تبلغ نصف تيرابايت، إلا أنها لم تُقنع مايكروسوفت التي كانت تطمح لبناء قاعدة بيانات بحجم 1 تيرابايت على الأقل.
تمكّنت مايكروسوفت بعدها من بدء مُحادثات مع وكالة المسح الجيولوجي في الولايات المُتحدة الأمريكي USGS التي كانت ترغب برفع صور الأقمار الصناعية الخاصة بها على الإنترنت، خصوصًا مع إنتهاء فترة الحرب الباردة وعدم وجود أي تهديد أمني جراء نشر هذا النوع من الصور.
تم الاتفاق على رفع صور الأقمار الصناعية على الإنترنت، بالإضافة إلى صور إضافية من المؤسسة العسكرية الروسية ليبلغ مجموع مساحة الصور 2.3 تيرابايت، وهنا أتى دور مايكروسوفت لتوفير هذه الصور داخل قواعد البيانات ثم ربطها مع برمجية تسمح البحث على عنوان مُحدد والإطلاع على الصور الخاصّة به، هذه البرمجية حملت اسم Terraserver وكانت على هيئة موقع على الإنترنت يُمكن لأي مُستخدم الوصول له بكل سهولة.
بدأت عملية تطوير البرمجية، لكن كروية الأرض حالت دون النجاح من أول محاولة، فالشاشة التي تعرض الصور مُسطّحة، والصور تأتي على هيئة كروية، لذا كان لابد من التحايل على هذه المُشكلة، وهُنا تبدأ حكاية التقنية التي وضعتها مايكروسوفت أولًا، ثم وصلت لجوجل وغيرها من الشركات فيما بعد.
تم تقسيم كل صورة إلى أكثر من جزء، ثم تم تقسيم كل جزء إلى مجموعة من الأقسام أيضًا تمامًا مثل لوحات الفُسيفساء، لتقوم بذلك البرمجية بعرض الأجزاء الصغيرة إلى جانب بعضها البعض لعرض الصورة بشكل كامل مع إمكانية التكبير والتصغير بشكل رقمي.
هذه التقنية تُعرف فعلًا بالفُسيفساء mosaic وهي التقنية التي تستخدمها حاليًا جوجل في جوجل إيرث أو خرائط جوجل، لأنها تُعتبر الأمثل في مجال الخرائط الرقمية.
نجحت مايكروسوفت بإطلاق موقع Terraserver وسمحت للكثير من مُستخدمي الإنترنت حول العالم بالبحث عن منازلهم واستعراض صور الأقمار الصناعية لها، وأحدثت ثورة غير مسبوقة في عالم تقنية المعلومات.
لكن ما هو السبب الذي منعنا من استخدام Terraserver حاليًا على هواتفنا الذكية وحواسبنا اللوحية، على الرغم من أن التقنية موجودة لدى مايكروسوفت مُنذ ١٧ عام تقريبًا ؟
الكثير من التبريرات ظهرت حول السبب الذي دفع مايكروسوفت لتجاهل تطوير هذه التقنية، بل وإيقافها بشكل كامل، حيث قال بيل جيتس، المؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت، إن مايكروسوفت هي شركة للحلول البرمجية التقنية، وليست شركة معلومات.
مايكروسوفت طوّرت برمجية للتعامل مع أكبر قاعدة بيانات موجودة من أجل استعراض قوّة تحمل وقوّة معالجة نظامها لإدارة قواعد البيانات دون الاهتمام أبدًا بماهيّة هذه البيانات، فالحل التقني هو وظيفتها وليس معالجة البيانات مثلما هو حال جوجل.
ظهرت بعد Terraserver الكثير من البرامج التي اعتمدت على تقنياته وعلى قاعدة بياناته، كان من بينها برنامج Earth Viewer من تطوير شركة Keyhole، التي اشترتها جوجل عام 2004 للاستفادة من هذه التقنيات وقامت بإعادة تصميم برنامج Earth Viewer ليُعرف فيما بعد باسم جوجل إيرث الذي أُطلق لأول مرّة عام 2005.
الغريب أن مايكروسوفت فوتت الكثير من فرص الريادة على نفسها، فالشركة وجدت نفسها بعد أعوام بحاجة لإطلاق تطبيقات الخرائط الخاصّة بها والمُتمثلة بخرائط بينج Bing لمُنافسة جوجل.
من الصعب جدًا التكهّن بالمُستقبل، ومن الجيّد أيضًا التركيز على اختصاص مُحدد والنمو به، لكن شركة بحجم مايكروسوفت وبقيمتها ماديًا وفكريًا، كانت لديها الفرصة لتكون الرائدة في هذا المجال، وتختصر على نفسها الكثير من الجهود والوقوف على أرض صلبة لمنافسة شركة بحجم جوجل التي أجبرت الجميع دون استثناء على الدخول في مُنافسة معها، بإستثناء مُحرك البحث من وجهة نظر شخصية.
المصادر : MotherBoard – Keyhole
التدوينة Google Earth برنامج جوجل الثوري الذي تقف وراءه مايكروسوفت ظهرت أولاً على عالم التقنية.
from عالم التقنية http://ift.tt/1T3rsXW
0 commentaires :
Enregistrer un commentaire